الدكتور خلدون نصير
على الرغم من الفترة الزمنية الطويلة التي وجدت فيها الأحزاب في الأردن فانه يمكن الاستنتاج أن تأثيرها في الحياة السياسية بقي محدودا، ويعتقد البعض أن تأثيرها حين كانت ممنوعة من العمل السياسي العلني كان أكثر من تأثيرها في ظل الانفراج الديمقراطي بعد عام 1989، وان العمل العلني قد أدى إلى وضع الأحزاب في مواجهة السلطة والدولة والشعب في الوقت نفسه، وان هذه المواجهة قد كشفت إلى حد بعيد عجز هذه الأحزاب عن تأدية الدور المطلوب والمتوقع منها، وبقيت في أغلب الأحيان حبيسة أفكارها ووسائلها وتوجهاتها التي حكمتها لفترة زمنية طويلة، وهو ما أسهم في استمرارية اختلال الميزان بين النظام السياسي والمعارضة.
ومنذ عام 1993 تحولت هذه الأحزاب لمجرد ديكور، ومجرد موجودات شكلية لاستكمال الصورة الخارجية للديمقراطية دون جوهرها، الأمر الذي كان لا بد أن يطبع بصماته على الحياة السياسية كلها. لا سيما بعد أن بدت الأحزاب بطيئة في قراءة التغيرات والتطورات التي اجتاحت المنطقة والعالم، وعاجزة عن التكيف أو التعاطي الناجع معها، بعد أن أخفقت في التحول من النطاق النخبوي إلى آخر جماهيري واسع، وهي حالة انسحبت على كل الأحزاب السياسية العربية.
يهدف قانون الأحزاب السياسة الجديد إلى تمكين الأحزاب السياسية من المشاركة في الحياة السياسية والعمل العام بطرق سلمية ديمقراطية لغايات مشروعة ومن خلال خوض الانتخابات بأنواعها، للوصول إلى البرلمان ببرامج قابلة للتطبيق وتشكيل الحكومات أو المشاركة فيها. كما قام القانون بتحفيز المواطنين والمواطنات على تشكيل أحزاب سياسية برامجية، والمشاركة فيها بحرية وفاعلية، لتوسيع تمثيل الأحزاب السياسية للمجتمع الأردني.
وعزز مشروع القانون الدور السياسي للمرأة والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة في الحياة الحزبية والعامة، وسهل مهمة الأحزاب السياسية في تأهيل القيادات السياسية الكفؤة وخاصة الشابة منها، القادرة على التعامل مع التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتولي المناصب الحكومية، والالتزام بآليات العمل النيابي الناجح.
كما مكن القانون الأحزاب السياسية من المشاركة في الانتخابات بأنواعها شتى، عبر تجويد برامجها واستقطاب الناخبين والمؤيدين لها، ومساعدتها على الانخراط بقضايا الشأن العام والمساهمة بوضع حلول لها، للوصول إلى مجلس نواب عاده الكتل البرلمانية الحزبية الفاعلة.
إن إصلاح النـظام الحزبي برمـتـه يبـدأ من ضرورة ضمان بيئـة حزبيـة صحيـة، من خلال تشـريـعات تضع الأحزاب في موقعها الطبـيعي شريكاً أساسياً في السلطة ، وتيسير وصولها إلى وسائل الإعلام لعرض برامجها، وأن يتاح التعبير السياسي الهادئ في الجامعات، ومنظمات المجـتمع المدني ، وهذا ما ذهبت إليه رؤية الإصلاح السياسي والتي أطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ليضع الكره في ملعب الأحزاب بحرية مطلقة لإثبات نفسها ،بيد أن كل ذلك يبـقى منقوصاً دون المراجعة الصارمة والعميقة والجريـئة من قبل جميع الأحزاب وخاصة المعارضة لتجربتـها على المستوى الفكري والعمـلي، ومراجعة أوضاعها الداخلية وبرامجها وأنماط واليات تحركها في الشارع، وتصحيـح علاقتـها مع المواطن، وإشعاره بوجودها كمؤسسات سياسيـة لها القدرة على إحداث التغييـر السيـاسي والاجتماعي المنشود، وهو ما لن يتـحقق دون الاعتراف أولا من قبل هذه الأحزاب بأبعاد وجسامة أزمتها.
وما لم تلتزم الأحزاب المسؤولية، وتلتزم بما تقتضيه، فستظل عاجزة عن تقديم بديل يستقطب الجماهير التي تبحث عمن يقودها نحو التغيير الايجابي. فهل تستطيع هذه الأحزاب النهوض بما يمكنها من الاضطلاع بدور يتواءم وما تفرضه المرحلة من استحقاقات.