عوض نصير  يكتب …التعايش الإسلامي المسيحي في الحصن هو تعايش مميز منذ عقود طويلة

عوض نصير

بسم الله الرحمن الرحيم

التعايش الإسلامي المسيحي هو حرية ديننا الحنيف بقوله تعالى: “ولتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودةً للذين آمنوا اللذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين” سورة المائدة.

فكيف بعد هذا الأمر الإلهي لا يكون تعايشاً وتعاوناً بل إخوة تجمعنا العروبة والوطن الذي نتقاسم خيره وهمومه وستعلم أمريكا والغرب المتصهين هول الجريمة التي ارتكبوها بتهجير مسيحيي العراق وسوريا والقدس الشريف ارضاءً لليهود فإذا ذهب النصارى العرب فمن يحمي القبر المقدس  كما كان يدعى الصليبيون ماضيا فوجودهم هو أمر الهي كوجود المسلمين ولا بدان بتغير الزمن وسينصف  المسلمون والنصارى العرب مما لحق بهم من ظلم اليهود وجرائهم بإذن الله .

أما التعايش الإسلامي المسيحي في الحصن فهو تعايش مميز منذ عقود طويلة فقد يكون من أسبابه هو ما مر على الحصن من ظلم حكم الزيادنة عندما جاءوا الى الحصن وبنوا قلعة على التل وبنوا المشنقة وطلب الحاكم الزيداني من شيخ الحصن إبن نصير رجلاً من النصارى ليجرب المشنقة وآثر أن يقدم له أحد أبناءه ولا يقدم نصراني وشاءت حكمة الله أن يدخل الجزار عكا وتزول دولتهم في تلك الليله ويطلب الحاكم النجاة من ابن نصير بإرساله الى طبريا عند الأمير الغزاوي ويقوم الحاكم بإعطاء إبن نصير دار الحكم والتل في القصة المعروفة عند أهل الحصن “1775 م” , والسبب الثاني هو عودة النصيرات من النعيمة الى الحصن بأمر من الوالي العثماني “1869م” وعلى المؤرخين والدارسين المثقفين ان يوثقوا تلك الفترة من تاريخ الحصن.

لقد اعتدنا أن نستقبل عيد الميلاد المجيد بالتفاؤل والبركة سيما في سنين انحباس الامطار فكثيراً ما كان ينزل الغيث في تلك الليلة من شهر 12 كونه اجرد لا ينزل فيه مطر عادةً, وكانوا يتبادلون التهاني بالعيد بزيارة البيوت ولا يستثنى من المعايدة حتى الارملة في بيتها مما يقوي اواصر المحبة والالفة كما كنا نتشارك في الافراح فيقام سباق للخيل في عراق العرسه (باب المخفر) الان . وزفة العريس تقام في السوق أحياناً فيقوم أصحاب المتاجر برش الملبس والعطور على المشاركين جميعاً.

كما كنا نرتبط بعشيرة الرياحين  بعادات متعارف عليها وأذكر ان المرحوم أيوب الريحاني(اخو سيده) عند زواج شقيقتي من اهل حوارة رفض خروجها ألا بعد اخذه عباءة العم كما كنا عندما يقرع جرس الكنيسة لصلاة العصر, من فاتته   صلاة العصر من المسلمين يتذكرها فيصليها ولا يتضايقون  او ينزعجون كما كنا نؤمن مع النصارى بكرامات لخوري الجوينات وخاصة قصة تعليق الجبه على أشعة الشمس ,ومعالجة لفتحة الفم, وقصة رفع جرس الكنيسة الثقيل ,إذ اننا عند بناء مئذنة مسجد الشهيد صدام لم نجد غير البنا جريس لبنائها لارتفاعها 36 متر جزاه الله خيراً.

كانت الحصن بلد العلم ففيها مدرسة حكومية ومدارس الطوائف وكان يؤمها طلاب العلم من المحافظة وغيرها ويذكر المرحوم سعد انه تعلم في مسجد الحصن على يد أمام المسجد الشيخ الهامي ويذكر أنه حفظ قصيدة السمؤل التي مطلعها : (إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل)

والتي قد لا يعرفها طلاب جامعتنا اليوم فهكذا كان مستوى التعليم حتى في الكتاتيب.

فلقد درسنا بمدرسة اللاتين الثانوية التي كان مستواها التعليميي قد يفوق جامعتنا اليوم ,فهل يعرفون أن نهج البلاغة للامام علي كرم الله وجهه والمعلقات درسناها في الصف الرابع والقواعد العربية على يد خوري ماروني من لبنان,اللذين كان لهم فضلاً في حفظ اللغة العربية من التتريك زمن العثمانين  فهذه المدارس التي كنا نفتخر بها ولها الفضل هي مدارس الطوائف .

كان العماد  عند النصارى يقوم به بعض المسلمين ,وكذلك الصيام في رمضان ينذرون بصيامه معنا , ومن يقوم بالعماد   يصبح اشبيناً للعائلة فتقوم علاقة حميمية بين المسلمين والنصارى ,وأذكر ان المرحوم فايز كان اشبينناً  إذ.حمل ابن عم لي.

كما وان ال  خوري الرفيد اشابين لنا , فقد حملوا إبن أخ لي وأذكر أنني كنت ضابطا لمطار القدس عام 1966  وكان المطران جرمانوس اشبين لأبناء فايز أيوب فكان عندما يأتيه الضيوف الممتازين من اثينا  ويستقبلهم في المطار يعرف علي با اشبيني عوض ,وللإنصاف كان مصلحاً اجتماعياً للمسلمين كما للنصارى كما عرفته , كما ان نسب الخيل كانت من عادتنا الحميمة التي تربط الناس ببعضها ,فنحن و دار معمر  كنانرتبط بهذا النسب  وكان بيننا وداً خاصاً فهده العادات والاعراف كانت تحترم ولها قيمة اجتماعية كبيرة .

كانت هناك عادة جاهلية عند المسلمين والنصارى في الحصن بلطم الخدود  وشق الجيوب في الموت دلاله على إظهار الحزن , وصادف ان توفى قريبا  لسلطي باشا فقامت إحدى النساء بشق ثوبها ولم يكن تحته ما يسترها وتناقل الناس هذا الخبر فجاء المرحوم سلطي باشا وقال في احد الوفيات ” يا مسلمين ويا نصارى من هون ورايح منعنا النساء من الخروج مع الميت الى المقبرة ومنعنا لطم الخدود وشق الجيوب ” ومنذ ذلك اليوم انقطعت هذا العادة السيئة في الحصن كافة فهؤلاء الكبار كانوا قدوة حسنة ,ما احوجنا اليوم في ظل هذا  الفلتان في التقاليد والعادات لأمثالهم.

اما احترام الكبير والتقدير له فأذكر ان سنة “1960م” اعتقلت  مع اخوان واقارب في حادث نسف  الرئاسة وعندما خرجنا من السجن جاء الناس يهنئوننا وأذكر أن المرحوم سلطي باشا جاء مع اقاربه فاستقبله والدي ووالدتي على الباب وقامت والدتي بتقبيل يده وقد استرعى انتباهي ذلك ,إذ ان والدتي كانت مسنه وجليلة وعند خروجهم قلت لها : شفتك قبلتي يد سلطي باشا فقالت لي يا عوض سلطي باشا من كبارنا وإحنا نحترمه ,فادركت كم كانت بعيدة النظر  فهذا ما تربينا عليه فهل أبلغ من ذلك التعايش.

 

حمى الله الأردن وليحفظ الله لنا هذا التراث الذي نعتز به ليبقى منارة للأجيال القادمة في ظل العائلة الهاشمية … وكل عام وأنتم بخير .

 

 

Scroll to Top